تجاعيده تروي قصة تاريخ
تقرير: مرام خالد
عندما يتحدث الحاج سميح ابو خلف الثمانيني من بلدة
قبلان الى الجنوب من نابلس ليس بوسعك الا أن تنصت وتستمع بكل جوارحك، كيف لا هو
ابن هذه الارض كبر على حبها وترعرع بين ثنايا ضحكاتها له في الصباح. فما أن بدانا
حديثنا معه حتى نظر حوله وتفقد في نظره كل شبر من ارضه وعلى مد بصره قائلا: عندما كان جدي يقول لي "انه هذه
الارض تضحك له عندما يخدمها كنت اتفاجئ من حديثه لكني الآن يملؤني اليقين أن جدي
كان على حق.
الحاج سميح صالح أبو خلف ولد بتاريخ 22/10/1933
في بلدة قبلان توفي والده وكان عمره 5سنوات وفكبر في كنف جده وتعلم منه حب
الارض وكيف يتعامل معها ولتحبه وتعطيه من بركتها.
الحاج أبو صالح الحفيد
الوحيد لجده السادس على التوالي، تزوج وكان عمره 16 سنه. وعندما سالته عن عرسه
؟ وتنهد وتناول فنجان القهوه وابتسم في سره "الاعراس ... في 1950 تزوجت، كان الماذون ياتي من المدينة
"نابلس" على فرس ابيض وقد كتب كتابي الشيخ فياض بمهر 160 دينار فقط
،الشيخ فياض هو نفسه الذي زوج والدي.
كان على اهل العروس واهل العريس الذهاب معا إلى
نابلس لشراء الكسوه مشيا على الاقدام فيشترون للعريس شقفة الحفار والكير والقمباز. فصل الحاج جوكيت وقمباز وقد استعاره منه ما
يقارب اكثر من 10عرسان.
يطلق على نفسه "ملك الملوك" ليس لانه يملك
الذهب والدنانير انما لانه يملك الارض ويصبح في وجهها ويمسها بين اغصانها.
يبدأ الثمانيني يومه قبل صلاة الفجر يذهب إلى ارضه
القريبة من بيته يقلم وينظف ويطعم اشجاره من زيتون وحمضيات ولوزيات ويطعم دوابه
ويذهب بعد ذلك لصلاه الفجر في المسجد القريب من بيته ويعود فيوقظ اولاده 5 من
زوجته الثانية ويذهبون مشيا على الاقدام إلى منطقة "الجواني او بير
الجناب"، اما يسلسلون او يقطعون الشجر او يقطفون الثمر وينظفون الهيش والنتش.
وقاطعته وهل يتذمر احدهم من ذهبه إلى الأرض خاصة في
وقت النوم ابتسم وقال أن لا اجبر احد على هذه الشئ فهم سيورثون هذه الأرضي من بعدي
وعليهم أن يتعلموا كيف يعتنون بها ليحافظوا علة مردودها المادي.
اشار بيده إلى شجرة المشمش التي نجلس بظلها وقال
بصوت يملوءه حب الارض "اترون هذه الشجرة هذا العام انتجت لي ما يقارب 150
دينار.
اما عن
محصول البندورة البلدية هنا حكاية أخرى فهو يملك بذورها منذ أكثر من 60سنه على
التوالي، لون ثمرها زهري وشكلها مجعد، رغم أنه كان ثمن الكيلو شيقل واحد في السوق
كان يبيعه ب5 وكان الناس ياتون إلى بيته لكي يشترون.
يستأنف حديثة في خيرات الأرض "هذا الموسم إلى
الآن تم حجز ما يقارب 40 تنكه زيت ونصف طن زيتون مخلل"الحاج سميح الذي يمللك
دينار من زمن العثمانين أي ما يقارب 100 عام ويزيد وهو الذي يعتبر الدلال الأول
للأراضي في بلده و مركب الأشجار الأمهر الذي يستعان فيه في مواسم تطعيم الأشجار
وكذلك الأعرف في حدود الأراضي وقياساتها، وفي أي سنه زرعت الأشجار.
في طريقنا إلى أرضه ما أن نلبث أن نمر على قطعة ارض
إلى أن يعد لنا أصحابها منذ زمن جده إلى الآن وما استغربته أكثر هو ابنه خالد
ابن(15عام) الذي رافقنا في ذهاب إلى ارض "قطعه الجواني" فقد كان يعرف
كذلك ملاك الأرضي وكان يجيب عن الاسئله الزراعية التي كان يتحاورون بها مع والده.
يقول الحاج انه كان يملك فقط خمس أمتار من الأرض (قطعة
الجواني) فقط والآن هي دنم واحد فقد حرص على أن يزيد في ملكه في الأراضي، فعلى حد
قوله الأرض رأس مال لا يخسر ابدأ عدا عن سعادته في خدمتها "أطيب من أكل
الكنافة على حد تعبيره".
يستنكر المعمر أبو سميح أن الناس الآن لا يهتمون في
الأرض كما كانوا قديما ويشير في يدها إلى قطعة "لوج العروس" المحيطة
بالجواني كيف أن أوراق الشجر قاتمة اللون
وليست مثمرة عدا عن الهيش "الشوك والنباتات الأرضية" تعتلي على سيقانها،
وانه تشتكي إهمال أصحابها.
أما عن سوئلنا ما اسم الزي الذي ترتديه فأجاب: أنا
لم ارتدي بدله في كل حياتي فانا البس القماز وهذا هو قماز زفافي قبل 20عام مع حطته
وعقاله، يتأسف الحاج أن لا احد يلبس هذا اللباس في بلدته إلا هو وحاج آخر ابو
معروف، وأن المحلات التي كانت تخيطه أقفلت ولم يعد هناك إلا محل واحد في مدنية
نابلس.
الحاج الذي كان يدعي ربه في صغره ان لا يبعده عن أرضه
وان لا يعمل لدى الناس أي ان يبقى في ارضة يعمل ويكتفي منها، التحق في 1956 في
الحرس الوطني في السرية الرابعة وكانت أماكن تدريبه في منطقة جنين قباطية
والميثلون.
لم يترك المزارع المتقن مجالا للتصدق من أرضه إلا
سلكه فهو يسبل أشجار لله خاصة شجر التين هو سيقوم هذا الموسم في تسبيل شجرتان تين وسيزرعهما قرب بئر الجناب في طريق قبلان عقربا.
وعندما سألنا عن نظام أكله يقول الحاج انه لابد له
كل أسبوع أن يتناول مرتين كنافة نابلسية وفقط من حلويات الأقصى من مدينه نابلس، هو
يفطر يوميا خبز ساخن من طابون مع الزيت الزيتون وبندورة من أرضة ويتغدا من لحمة
الخاروف من مزرعته الصغيرة والدهن البلدي، مما جعل صحته في تحسن دائما مراعاة
لعمره.
عدا عن معلوماته في الأرض فهو يحفظ نشره الأخبار عن
ظهر قلب وعدا عن تفسيراته وتحليله الخاصة في الأوضاع العربية بعد الربيع العربي
وخاصة في مصر وسوريا.